قضايا الغش التجاري في السعودية في مكتب المحامي محمد اليزيدي
قضايا الغش التجاري | تطورت الحياة البشرية في جميع مجالات الحياة وتطور معها الفكر الإنساني مما نتج عنه العديد من المشاكل التي تظهر بسبب المعاملات التجارية بين الجماعات والأفراد والمؤسسات والمنشآت التجارية المختلفة وتعقد تلك المعاملات، مما أدى إلى أن تقوم الحكومات بإصدار القوانين والتشريعات لتنظيم المعاملات بين الأفراد ليسود الأمن والاستقرار والسيطرة على أي شيء قد يعرض أمن المجتمع للخطر، ومن أبرز المشاكل التي تظهر خلال المعاملات التجارية هي مشاكل النصب والغش التجاري بسبب طمع التجار في جمع الثروات، مما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الثقة، لأن الغش هو خداع وتضليل والإيهام بأمر غير صحيح، ولهذا كان لا بد من حماية المستهلك منه ففى9 أبريل 1985، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 39/284، الذي يهدف إلى وضع إطار لتعزيز السياسات والتشريعات اللازمة لحماية المستهلك بحيث يصبح الدفاع عنه دفاع مجتمعي ومن خلال الحكومات، بحيث تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية بجعل المستهلك له القدرة على الاختيار وحماية حقوقه الاقتصادية وإقامة التوازن بين العرض والطلب حيث في 15 مارس 1962 أعلن الرئيس الأمريكي كيندي حقوق المستهلك ولذلك فإن حماية المستهلك من الغش التجاري يعد من أهم الموضوعات الرئيسية لارتباطه بأهداف تنمية المجتمع مما جعل جميع الدول في العالم تعتمد تشريعات وسياسات اقتصادية لحمايته، ولقد أهتم الإسلام بتنظيم الاستهلاك في إطار المسؤولية الجماعية بين الفرد ونفسه فحرم التبذير والإسراف، وبالإضافة إلى تحديده للضوابط الشرعية للمعاملات التجارية حيث يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا “، وحرم التعامل ببعض العقود لما فيها من ربا وخداع، ودعى أيضا إلى تسعير السلع بالتسعير الجبري في حال تعدى التجار والصناع وتلاعبهم بالأسعار، وقيامهم بالغش في السلع ولأن المملكة العربية السعودية تسير على نهج الشريعة الإسلامية فلقد أصدرت نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/19) بتاريخ 3/4/1429هجرياً، بالإضافة إلى اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بإصدار قانون موحد لحماية المستهلك من الغش والخداع وتجسد تلك التشريعات أهم مبادئ وضوابط التسويق الإسلامي.
أولاً:-مفهوم الغش التجاري وأسبابه
الغش هو عمل غير مشروع يوجد به استهتار بحقوق الغير وإخلال بالالتزامات القانونية ومنافياً لقواعد الأخلاق والعدالة ومبادئ القانون، ويعد الغش من السلوكيات التي يرفضها الدين والمجتمع، يعد الغش التجاري من أهم أسس الفساد التي تنخر في اقتصاد أي دولة لأنه يسبب العديد من السلبيات الكثيرة التي تدمر الاقتصاد الوطني بشكل عام وتستنزفه مما يؤدي إلى هدر العديد من الأموال والاستثمارات الضخمة واستنزاف موارد المستهلك الذي يكون ضحية للغش التجاري، يعرف الغش التجاري بأنه ” الوهم بوجود مفقود مقصود بوجوده في المبيع أو يكتم وجود موجود مقصود فقده” أو هو الخلط بين الشيء السيئ والرديء والجيد، ولقد نصت المادة (1) من نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/19) بتاريخ 3/4/1429هجرياً على تعريف المنتج المغشوش بأنه “
كل منتج دخل عليه تغيير أو عبث به بصورة ما مما أفقده شيئًا من قيمته المادية أو المعنوية، سواء كان ذلك بالإضافة أو بالإنقاص أو بالتصنيع أو بغير ذلك، في ذاته أو طبيعته أو جنسه أو نوعه أو شكله أو عناصره أو صفاته أو متطلباته أو خصائصه أو مصدره أو قدره سواء في الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار.
كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة.
المنتج الفاسد: كل منتج لم يعد صالحًا للاستغلال أو الاستعمال أو الاستهلاك وفق ما تبينه اللائحة “
يظهر الغش التجاري لأسباب عديدة منها:-
العوامل الأسرية كالتربية غير السليمة أو الضعيفة، فتخرج الأسرة شخصا فاسدا.
تنوع السلع والمنتجات مما يؤدي إلى تعدد حاجات الأفراد والتسابق خلف كل ما هو جديد فتقوم الدول الصناعية بزيادة إنتاجها وزيادة الصادرات فيظهر الغش بجميع صوره وأنواعه وأشكاله، وعمل الإعلانات لإخفاء عيوب السلعة والتدليس فيها.
ثانياً:- أركان المسئولية الجنائية في جرائم الغش التجاري
عند النظر في جريمة الغش التجاري لأبد من توافر ثلاث شروط:-
الركن الشرعي
يتمثل الركن الشرعي في جريمة الغش التجاري هو نص القانون ولقد قام نظام مكافحة الغش التجاري بالحفاظ على سلامة المستهلك وحمايته، فنصت المادة الثانية على ” يعد مخالفاً لأحكام هذا النظام كل من:
خدع – أو شرع في الخداع – بأي طريقة من الطرق في أحد الأمور الآتية:
أ – ذاتية المنتج، أو طبيعته، أو جنسه، أو نوعه، أو عناصره، أو صفاته الجوهرية.
ب مصدر المنتج.
ج – قدر المنتج، سواء في الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار.
غش – أو شرع – في غش المنتج.
باع منتجًا مغشوشًا، أو عرضه.
حاز منتجًا مغشوشًا بقصد المتاجرة.
صنع منتجات مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة، أو أنتجها أو حاذها، أو باعها، أو عرضها.
استعمل آنية، أو أوعية، أو أغلفة، أو عبوات، أو ملصقات، مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة، وذلك في تجهيز – أو تحضير – ما يكون معدًّا للبيع من المنتجات.
عبأ منتجًا، أو حزمه، أو ربطه، أو وزعه، أو خزنه، أو نقله، بالمخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة.
استورد عبوات، أو أغلفة، أو مطبوعات تستعمل في الغش، أو صنعها، أو طبعها، أو حاذها، أو باعها، أو عرضها.
أو استورد منتجًا مغشوشًا”
الركن المادي
يتمثل الركن المادي في الفعل الغير مشروع وهو القيام بالغش التجاري وبطريقة تخالف البنود المنصوص عليها في نظام مكافحة الغش التجاري، كان يقوم التاجر بغش المنتج أو صرفه أو لا يلتزم بالمواصفات التي قد وضعتها هيئة المواصفات والمقاييس، ولقد نصت المادة الثالثة من نظام مكافحة الغش التجاري علي ” يلتزم كل من (المنتج والمستورد والموزع) لمنتج مغشوش إذا صرّفه؛ بإبلاغ الوزارة بالمعلومات التي تتعلق بكميته وأسماء التجار الذين صرف إليهم هذا المنتج وعناوينهم، وذلك فور علمه أو إعلانه أو إبلاغه بالمخالفة علي عنوانه المسجل في السجل التجاري أو في الغرفة التجارية الصناعية، أو عند تحرير محضر بضبطها”
الركن المعنوي
الركن المعنوي هو القصد الجنائي وهو العلاقة النفسية بين السلوك الإجرامي ونتائجه وبين مسؤولية الفاعل عن الفعل الذي يأت بسلوك الغش ويكون مقترن بقصد أو خطأ غير عمدي فمجرد توافر العلم والإرادة المكونين للقصد الجنائي تتحقق المسئولية الجنائية.
ثالثاً:- العقوبات المقررة لجرائم الغش التجاري
الأساس في العقاب هو إتيان المصلحة وجلبها ودفع المفسدة أو المضرة التي تنشأ عن الجريمة أو المخالفة ، وعلى هذا قررت الشريعة الإسلامية مبدأ العقوبة ، فحماية المصالح ودفع المفاسد لا يكون إلا بإيقاع العقوبة على من خالف ذلك, لذا جاءت العقوبات لكي تحافظ على المصالح المعتبرة وقررها الشارع الحكيم ولم يدع تقريرها للناس لانهم سيختلفون فيها لذلك جاء الشارع بالمحافظة على المصالح الكبرى والالتزام والمحافظة عليها وهي ” حفظ الدين، والنفس، والنسل ، العقل، والمال” فنجد أن جميع المصالح المستقرة ترجع إلى المصالح السابقة ، ولا يوجد مفسدة ألا وهي مؤثرة على إحدى المصالح الخمس والمحافظة على هذه المصالح أمر متفق عليه في جميع الكتب السماوية والقوانين الوضعية لدفع الضرر عنها أمر متفقة معه جميع العقول ولهذا يجب تقرير العقوبات لحماية تلك المصالح ، ولأن جريمة الغش التجاري تعد من المفاسد الكبرى فلقد أهتم المنظم السعودي بمكافحتها وضمان حماية المستهلكين من كافة المخاطر ولأنه يعد من الجرائم التي حظيت باهتمام المنظم السعودي فلقد قام بالنص على عقوبات الجريمة لتفادى إفلات مرتكبها من العقاب أو لتفادى إصدار حكم ظالم على بريء، فلقد نص المنظم السعودي في المادة (13) بموجب المرسوم الملكي رقم (م/10) وتاريخ 9/1/1440 هجرياُ على ” تتولى المحكمة المختصة الفصل في جميع المخالفات والمنازعات ودعاوى المطالبة بالتعويض الناشئة من تطبيق أحكام هذا النظام “
ونص في المدة (16) على ” يعاقب بغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد على سنتين، أو بهما معًا، كل من ارتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة (الثانية) من هذا النظام “
بينما نص في المادة(17) على ” يعاقب بغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بهما معًا كل من ارتكب المخالفة المنصوص عليها في المادة (الرابعة“)
وفي المادة (18) نص على ” يعاقب بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بهما معًا – في الحالتين الآتيتين:-
إذا اقترن فعل الخداع – أو الشروع فيه – باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة، أو باستعمال طرق ووسائل من شأنها جعل عملية وزن المنتج أو قياسه أو كيله أو فحصه غير صحيحة. أو كان المنتج المغشوش أو المواد المستعملة في غشه مضرة بصحة الإنسان أو الحيوان.
إذا ارتكبت أي من المخالفات المنصوص عليها في المواد (الثالثة) والسابعة) والتاسعة) من هذا النظام “
عند النص على عقوبات مكافحة الغش التجاري لم يغفل المنظم السعودي على حق المستهلك في التعويض فنص في المادة (22) على ” مع عدم الإخلال بحق من أصابه ضرر في التعويض نتيجة ارتكاب إحدى المخالفات المنصوص عليها في هذا النظام، يلتزم المخالف بسحب المنتج المغشوش وإعادة قيمته إلى المشتري، وذلك وفق الشروط والإجراءات التي تحددها اللائحة” وأيضا يعاقب الذي يقوم بالجريمة حتى ولو علم المشترى بالجريمة حيث نص في المادة (14) ” يفترض في كل من ارتكب مخالفة لأحكام هذا النظام العلم بغش المنتج، ولا يمنع علم المشتري بذلك من تطبيق العقوبة المقررة بحق المخالف “
وأختم:-
تنتشر جرائم الغش التجاري في المجتمع انتشارا واسعاً وتعد من أخطر الجرائم التي تهدد أمن المجتمع وسلامته لأنها تعتمد على السرعة والدقة والتخفي وقت ارتكابها ولقد قامت المملكة العربية السعودية بوضع أنظمة لحماية المستهلك من الغش التجاري مستندة على سياستها الشرعية، كما حددت طرق التقاضي وجهات مختصة بذلك تنظر لتلك الجرائم. حيث اتفقتا الشريعة الإسلامية والأنظمة القانونية في رؤيتهم للتصدي للغش التجاري بكافة أشكاله ومصادره، ويوجد اتفاق تام بين الشريعة الإسلامية والنظام في توضيح الأضرار التي تنتج عن جرائم الغش التجاري وكافح النظام السعودي جرائم الغش التجاري بفرض عقوبات محددة لكل نوع من الجرائم قد تصل لحد الغرامة التي قد تصل إلى مليون ريال والسجن. انصح في التعامل مع مكتب المحامي محمد اليزيدي للحصول على افضل الخدمات.