قضايا التزوير في السعودية

قضايا التزوير في السعودية

تعد جريمة التزوير من الجرائم الخطيرة التي تهدد آمن واستقرار أي مجتمع، وهذا لأنها تعمل على قلب الحقائق وخاصة في ظل زمن أعتمد فيه الناس على التعامل بالوثائق والمستندات المختلفة وأصبحت الكتابة هي الركيزة الأساسية في الإثبات، فتثبت الحقوق بالمستندات الكتابية والمحررات والأوراق الرسمية لما لها من أهمية لأنها تدعم الثقة ويقبل التعامل بها والاحتجاج بها، ولكن قد يحدث تزوير في تلك الأوراق الرسمية بسبب طغيان الفساد في المجتمعات فانتشرت جريمة التزوير ولهذا اهتمت بها غالبية التشريعات ومنها المملكة العربية السعودية حيث نصت على إصدار النظام الجزائي لجرائم التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 11) بتاريخ 18/ 2/ 1435 هجرياً.



أولاً:- مفهوم جريمة التزوير


عرفت الشريعة الإسلامية التزوير بأنه “تحسين الشيء ووصفه على عكس صفته حتى يخيل من سمعه أو رآه على عكس ما هو به، فهو الميل عن الحق وتمويه الباطل بما يوهم أنه حق” ولقد نصت المادة الأولى من نظام مكافحة جرائم التزوير على تعريف التزوير بأنه “كل تغيير للحقيقة بإحدى الطرق المنصوص عليها في هذا النظام حدث بسوء نية قصداً للاستعمال فيما يحميه النظام من محررٍ أو خاتمٍ أو علامةٍ أو طابعٍ، وكان من شأن هذا التغيير أن يتسبب في ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي لأي شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية”،



ونصت ذات المادة على الأدوات التي يتم بها جريمة التزوير وهم الخاتم والعلامة والطابع وعلى من يقع التزوير عليه كالمحرر والأوراق الخاصة بالمصارف والوثائق التاريخية حيث نصت على “الخاتم :- الأداة التي تمهر بها المحررات للتوثيق، أو الأثر المنطبع منها.


الطابع: الملصق أو ما يقوم مقامه مما يطبع آليًّا أو إلكترونيًّا ويستخدم لأغراض البريد أو لتحصيل الإيرادات العامة.


العلامة: الإشارة (أو الرمز) التي تستعملها جهة عامة للدلالة على معنى خاص بها يرتب أثراً نظاميًّا، بصرف النظر عن نوعها أو شكلها.


المحرر: كل مسطور يتضمن حروفاً أو علامات ينتقل بقراءتها الفكر إلى معنى معين بصرف النظر عن الوعاء الذي كتبت أو حفظت فيه، بما في ذلك وسائل تقنية المعلومات.


الأوراق الخاصة بالمصارف: المحررات التي تستعملها المصارف للإيداع أو السحب أو التحويل من خزينتها أو حساباتها أو من حساب أحد العملاء، ويدخل في ذلك الاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان، وبطاقات الائتمان، وبطاقات الحسم.


الوثيقة التاريخية: محرر قديم ونادر يتضمن وقائع ومعلومات عن تاريخ المملكة، وتكون له قيمة تاريخية وليست له حجية نظامية”



ثانياً:- أركان جريمة التزوير


الركن المادي


يعد السلوك الإجرامي هو الركن المادي لجريمة التزوير حيث يتم التزوير في المحررات بتغيير الحقيقة فيها عن طريق إحداث تعديلات في المحرر وإظهار آمر معين في المحرر على غير حقيقته وعلى غير الصورة التي يجب أن يكون عليها، إذن فجوهر التزوير هو الكذب الذي يقع على المحررات بتدوين بيانات مخالفة للحقيقة، والمحرر الذي يتم فيه التزوير هو كل وثيقة تشمل بيانات مكتوبة أو مطبوعة أو مصورة، ولقد نصت المادة الثانية من نظام مكافحة الجرائم السعودي على “يقع التزوير بإحدى الطرق الآتية:


أ- صنع محررٍ أو خاتمٍ أو علامةٍ أو طابعٍ، لا أصل له أو مقلدٍ من الأصل أو محرَّفٍ عنه.
ب- تضمين المحرر خاتماً أو توقيعاً أو بصمة أو علامة أو طابعاً، لا أصل له أو مقلداً من الأصل أو محرفاً عنه.
ج- تضمين المحرر توقيعاً صحيحاً أو بصمة صحيحة، حصل على أي منهما بطريق الخداع.
د- التغيير أو التحريف في محررٍ أو خاتمٍ أو علامةٍ أو طابعٍ، سواء وقع ذلك بطريق الإضافة أو الحذف أو الإبدال، أو الإتلاف الجزئي للمحرر الذي يغير من مضمونه.
ه- التغيير في صورة شخصية في محرر، أو استبدال صورة شخص آخر بها.
و- تضمين المحرر واقعة غير صحيحة بجعلها تبدو واقعةً صحيحة، أو ترك تضمين المحرر واقعةً كان الفاعل عالماً بوجوب تضمينها فيه.
ز- تغيير إقرار أُولى الشأن الذي كان الغرض من تحرير المحرر إدراجه فيه.
ح- إساءة استخدام توقيع أو بصمة على بياض اؤتمن عليه.

 

الركن المعنوي


الركن المعنوي هو الركن الثاني في الجريمة فمن دونه لا تعتبر الجريمة قائمة، حتى ولو اكتملت عناصر الركن المادي، فإن الركن المعنوي المكون من النشاط الإجرامي الذهني والنفسي، هو المعبر الحقيقي عن الشخصية الإجرامية، ويتكون القصد الإجرامي من العلم والإرادة، وبذلك تعد جريمة التزوير من الجرائم العمدية حيث يتم فعل التغيير والإخفاء في المحرر بقصد.



ثالثاً:- عقوبات جريمة التزوير

تزوير الأختام


إذا كان الخاتم يخص الملك أو ولي العهد أو رئيس مجلس الوزراء فالعقوبة نص عليها في المادة الثالثة على “من زوّر خاتم الدولة، أو خاتم الملك أو ولي العهد أو رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه، أو خاتم الديوان الملكي أو ديوان ولي العهد؛ يعاقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال. “


إذا كان الخاتم أو العلامة منسوب لجهة عامة، نصت المادة الرابعة على “من زوّر خاتماً أو علامةً منسوبة إلى جهة عامة، أو إلى أحد موظفيها بصفته الوظيفية، أو زوّر خاتماً أو علامة لها حجية في المملكة عائدة لأحد أشخاص القانون الدولي العام أو لأحد موظفيه بصفته الوظيفية؛ يعاقب بالسجن من سنة إلى سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على سبعمائة ألف ريال. “
ونص في المادة الخامسة على “من زوّر خاتمَ جهةٍ غير عامة، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. “



تزوير الطوابع


نصت المادة السادسة على “من زوّر طابعاً يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامةٍ لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، مع إلزامه بدفع ما فوته على الخزينة العامة من مبالغ. ” بينما نصت المادة السابعة على “من أعاد استعمال طابعٍ سبق تحصيل قيمته، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبغرامةٍ لا تزيد على ثلاثين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع إلزامه بدفع ما فوته على الخزينة العامة من مبالغ”

تزوير المحررات


نصت المادة الثامنة على العقاب لكل من زور محرر منسوب لجهة عامة أو إحدى موظفيها حيث نصت على “من زوّر محرراً منسوباً إلى جهة عامة أو أحد موظفيها بصفته الوظيفية، أو إلى أحد أشخاص القانون الدولي العام أو أحد موظفيه بصفته الوظيفية إذا كان للمحرر حجية في المملكة؛ يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال. ”

بينما نصت المادة التاسعة على العقاب على تزوير المحررات العرفية حيث نصت على “من زوّر محرراً عرفيًّا، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.


ولكن قام المنظم السعودي بتشديد العقوبة إذا كان المحرر منسوب للملك حيث نصت المادة التاسعة على “من زوّر محرراً منسوباً إلى الملك، أو ولي العهد، أو رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه؛ يعاقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال” وشدد العقوبة أيضاً في حال صدر التزوير من موظف عام حيث نصت المادة (12) على “كل موظفٍ عامٍّ زوّر محرراً مما يختص بتحريره، يعاقب بالسجن من سنة إلى سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على سبعمائة ألف ريال ” ونص في المادة(13) على ” من زوّر أوراقاً تجارية أو مالية أو الأوراق الخاصة بالمصارف، أو وثائق تأمين؛ يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على أربعمائة ألف ريال .”


بالإضافة إلى الصور المشددة للعقوبة نص المنظم السعودي على بعض من الصور المخففة مثل التزوير الصادر ممن يقع الأمر في اختصاصه حيث نصت المادة (14) على “من زوّر أو منح (بحسب اختصاصه) تقريراً أو شهادةً طبيةً على خلاف الحقيقة مع علمه بذلك؛ يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مئة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. “.


بينما نصت المادة (15) على “كل مختص زوّر في أوراق إجابات الاختبارات الدراسية أو بيانات رصد نتائجها، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على ستين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ” ونص في المادة (16) على “من زوّر في محرر معدّ لإثبات حضور الموظف إلى عمله أو انصرافه منه؛ يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين،،



وعاقب المنظم السعودي على جريمة التزوير في الاحكام القضائية حيث نصت المادة(17) على ” من استعمل حكماً أو أمراً قضائياً أو وكالة صادرة من جهة مختصة انتهت صلاحيتها، وكان عالماً بذلك، وقاصداً الإيهام بأنها لا تزال حافظةً لحجيتها النظامية، وترتب على هذا الاستعمال إثبات حقٍّ أو إسقاطه أو حدوث ضررٍ للغير؛ يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مئة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. “



ويوجد في جريمة التزوير الشروع فيها دون اكتمال الفعل وبسبب خطورة تلك الجريمة نص المنظم السعودي على عقوبة الشروع فيها حيث نص في المادة (20) علي “يعاقب على الشروع في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة لتلك الجريمة” بالإضافة إلى العقاب على الاشتراك والتحريض في الجريمة حيث نصت المادة (21) على “من اشترك- بطريق الاتفاق أو التحريض أو المساعدة- في ارتكاب أيّ من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، يعاقب بالعقوبة نفسها المقررة لتلك الجريمة”

الخاتمة :-

التزوير هو تغيير في حقيقة المحرر بحيث يتم إظهار أمر معين في غير الصورة التي يجب أن يكون عليه أي إظهاره بشكل مخالف للحالة الواقعة التي نبغي أن تكون له لو لم یتدخل نشاط الجاني فیه، أو تحريف حقيقة ثابتة في محرر، أو ابتداع وقائع أخرى تحل محل الحقيقة الثابتة وتقوم مقامها، ولا یلزم أن تكون كل بیانات المحرر مخالفة للحقيقة، إنما یكفي تغییر الحقيقة الجزئي، وأن یقع تغییر الحقيقة على البيانات الجوهرية التي أعد المحرر لإثباتها، فيها ويعد من الجرائم المخلة بالثقة العامة ونص المنظم السعودي على العقاب عليها لأجل حمایة ثقة الأفراد في المحررات التي یضفي علیها المنظم أهمية قانونية، و لهذا وضع المنظم السعودي لها عقوبات مشددة وعقوبات مخففة وكل حالة على حدة.